تطبيق الشريعة بدون المادة الثانية

نشرته شبكة رصد الأحد الموافق 25.09.2011



هؤلاء هم أنصار حزب العدالة والتنمية، ليسوا كلهم من الإسلاميين، ولكنهم كلهم ممن حررتهم فلسفة الشريعة وجعلت كلاً منهم إنساناً حراً

لأسباب غير معروفة ... يعتقد قطاع عريض من المصريين بأن المادة الثانية هي حصن للشريعة الإسلامية في مصر، وقد فوجئ العديد من هؤلاء، ومنهم إسلاميين، بما قاله أردوغان عن التزامه بعلمانية الدولة التركية، بل لعلهم شعروا بإحباط شديد من كلام الرجل، وقد دفع هذا كثير منهم إلى تفسير كلامه على أنه تراجع عن جذوره الإسلامية أو أنه يمارس التقيّة ليحمي أجندته الإسلامية الخفية


في الواقع، الأمر لا هذا ولا ذاك، أردوغان لا يملك أجندة إسلامية خفية، ولم يتراجع عن جذوره الإسلامية، لكنه ببساطة لا يحمل تصورات "جامدة" عن الإسلام والشريعة، فالشريعة لا تحتاج إلى مادة في الدستور ليتم تطبيقها، وهي ليست بالأساس الحدود أو أن ترث المرأة نصف ما يرث الرجل، ولكنها بالأساس نظام يهدف إلى حماية الدين والعقل والنفس والنسل والمال، أي حماية الإنسان وما يملكه روحياً وعقلياً ونفسياً ومادياً.


حماية الإنسان لا تحتاج إلى دولة أو دستور، بل العكس، هي تحتاج إلى تحقيق أعلى قدر من الحرية في مواجهة أي مؤسسة وأي نص قانوني قد يجبرانه على عكس ذلك. فالدولة في التاريخ الإسلامي كانت تضطلع بأدوار صغيرة للغاية ممثلة في القصر والسلطان في مقابل المجتمع الذي كان يحظى بحرية لا مثيل لها من حيث استقلال ماله بنظام مثل الوقف، واستقلال عقله بإقامة مؤسسات تعليمية أهلية لم يكن للدولة اليد العليا فيها كالمدارس والكتاتيب، واستقلال دينه من حيث غياب أي مؤسسة دينية تابعة مباشرة للدولة، فكان العلماء والفقهاء طبقة مستقلة عن السلطة.


هذا هو لُب الشريعة، هو تحرير الإنسان، وهذا هو عين ما يفعله أردوغان في تركيا، فهي يحرر الإنسان التركي من قبضة الدولة، ليس لأنها علمانية، ولكن لأن سيطرة الدولة على حياة الإنسان ومركزيتها في حياته يتناقض مع روح الشريعة، فلو كانت الدولة التركية إسلامية قُح كنظيرتها في إيران، لفرضت علينا مقاصد الشريعة أن نفعل نفس ما يفعله أردوغان مع الدولة العلمانية، أن نحرر الإنسان منها ليصنع مجتمعه الحر.


تلك هي الإسلامية التي يقوم عليها المشروع التركي والتي حيرت الناس كثيراً، هي إسلامية الإنسان، أن يكون الإنسان حراً، وأن تكون الشريعة أيضاً حرة، فهي ملك للمجتمع وليس للدولة، ومقاصدها تتحقق بالمجتمع وليس بالدولة، بالرغبة المجتمعية في العمل والعبادة والتفكّر والنهوض وليس بسلطة المادة الثانية!


المجتمع التركي لديه تلك الرغبة، وهو يحقق بها مقاصد الشريعة ويطبقها بالإنسان، أما في مصر، فالشريعة ليست مرتبطة في الأذهان بالإنسان للأسف، ولكن بالمادة الثانية! أردوغان لا يملك أجندة خفية لإقامة دولة إسلامية، ولم يتراجع عن مبادئه أو يقرر الاستستلام لدولة علمانية، ولكنه ببساطة أدرك أن مقاصد الشريعة هي في تحرير الإنسان وليس في أسلمة الدولة، ولنا في إيران وأفغانستان طالبان والسودان أمثلة على دول إسلامية وإنسان مكبّل لا يمت لمقاصد الشريعة بصلة، في حين تركيا ذات الدولة العلمانية يصوت فيها الليبراليون لأردوغان لأنه يحميهم ويحمي عقولهم ونفوسهم ومالهم ونسلهم وروحهم، تماماً كما أتت العديد من المجموعات ذات الخلفيات الفكرية والمذهبية والدينية المختلفة، في تاريخنا الإسلامي، إلى بلاد المسلمين بحثاً عن الحرية.


تطبيق الشريعة لا يحتاج إلى مادة ثانية ولا إلى دستور إسلامي ودولة إسلامية، تطبيق الشريعة يأتي من أسفل، من المجتمع ذاته، من رغبته في أن يكون حراً ومستقلاً بروحه ونفسه وعقله وماله ونسله عن أي استبداد، حين يتحرر الإنسان، تكون الشريعة قد طُبقت.


لهذا السبب، تركيا لديها مشروع إسلامي رُغم وجود دولة علمانية، ومصر ليس لديها مشروع إسلامي رُغم وجود المادة الثانية. لأن الإسلاميين في مصر يؤمنون بالدولة، والإسلاميين في تركيا يؤمنون بالإنسان، لأن الإسلاميين في مصر الأكثر احتمالاً للفوز في الانتخابات، والإسلاميين في تركيا الأكثر حرصاً على النهوض بالجميع، لأن إسلاميي مصر يعيشون حالة "ابتزاز" تجاه التيارات الأخرى بعضلاتهم، وإسلاميي تركيا يعيشون حالة "اعتزاز" تجاه أنفسهم ومجتمعهم بنهضتهم.


الشريعة بالمجتمع لا بالدولة، الشريعة تنمو من أسفل لا تُطبق من أعلى. 


والله أعلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق